حماية الصحة العقلية والنفسية في الجزائر دراسة تحليلية على ضوء نصوص قانوني العقوبات والصحة
الكلمات المفتاحية:
الصحة، العقلية، النفسية، الحماية الجنائية، الأمراض، الجنون.الملخص
يتناول البحث مسألة حماية التكامل الصحي للإنسان باعتباره من أولويات القانون بكل فروعه من خلال تقديم الرعاية والعلاج وتوفير المرافق الاستشفائية لكل الفئات العمرية حماية للصحة العامة بشكل عام.
وتركز الدراسة على بيان جوانب و آليات الحماية الجزائية للصحة العقلية و النفسية للإنسان لأن هذه الأخيرة تعد من مقومات الحق في الصحة ولأن لها تأثيرا كبيرا على صحة الافراد وعلى انتاجيتهم، وهذا في مختلف القوانين خاصة منها قانون العقوبات و قانون حماية البيئة و القانون المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية ومكافحتها وغيرها، وبما أن القانون الجزائي بنصوصه في قانون العقوبات وتلك الملحقة به هو الضامن والرادع لأشكال الاخلال بالصحة النفسية و العقلية فالبحث يحاول الاجابة على إشكالية مدى تناسق هذه الآليات الجزائية مع قانون الصحة باعتباره منظما لقواعد الصحة العامة وما مدى كفايتها؟.
الكلمات المفتاحية: الصحة، العقلية؛ النفسية؛ الحماية الجنائية؛ الأمراض؛ الجنون.
التنزيلات
المراجع
محمود نجيب حسني: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، جرائم الاعتداء على الأشخاص، دار النهضة العربية، ص 116
موقع منظمة الصحة العالمية على شبكة الانترنيت www.who.int تم الاطلاع عليه بتاريخ 10/10/2022.
و على موقع ويكيبيديا الالكتروني فإن الصحة النفسية أو الصحة العقلية هي مستوى الرفاهية النفسية أو العقل الخالي من الاضطرابات، "وهي الحالة النفسية للشخص الذي يتمتع بمستوى عاطفي وسلوكي جيد من وجهة نظر علم النفس الإيجابي أو النظرة الكلية للصحة العقلية، من الممكن أن تتضمن قدرة الفرد على الاستمتاع بالحياة وخلق التوازن بين أنشطة الحياة ومتطلباتها لتحقيق المرونة النفسية."
ومع ذلك فإن تعريف "الصحة العقلية" تختلف نتيجةَ للاختلاف الثقافي والتقييم الذاتي والتنافس في النظريات، الصحة السلوكية هي المصطلح الأمثل للصحة العقلية.، وهي تعتبر حالة من العافية يستطيع فيها كل فرد إدراك إمكاناته الخاصة والتكيّف مع حالات التوتر العادية والعمل بشكل منتج ومفيد والإسهام في مجتمعه المحلي، و الشخص الذي يعاني من اضطراب في حالته الصحية السلوكية يواجه مشاكل عديدة، لعل أبرزها الإجهاد والاكتئاب والقلق ومشاكل في علاقاته مع الآخرين وقد يعاني من الحزن والإدمان وقصور الانتباه وفرط الحركة وصعوبات في التعلم واضطراب المزاج واضطرابات نفسية أخرى يمكن للمرشدين النفسيين والمعالجين ومدربي الحياة وعلماء النفس ومزاولي مهنة التمريض والأطباء أن يساعدوا في إدارة المخاوف الصحية السلوكية عن طريق معالجتها بطرق مثل جلسات العلاج أو الاستشارة أو المداواة
احمد عكاشة، طارق عكاشة: الطب النفسي المعاصر، طبعة 17، مكتبة الانجلو المصرية، مصر، 2017، ص 19 و20.
علي أحمد علي: الصحة النفسية، مكتبة عين شمس، د ن س، ص 14
عزت عبد العظيم: معالم علم النفس المعاصر، دار المعرفة الجامعية، 1995، ص 466.
سهير أحمد كامل: الصحة النفسية و التوافق، مركز الاسكندرية للكتاب بدون طبعة، القاهرة ، مصر، 2002، ص 9
و يقول في ذلك الدكتور حسان المالح " يرتبط مصطلح المرض العقلي في اللغة العربية باضطراب العقل أو زواله، والجنون هو فقدان العقل ويترتب عليه زوال التكاليف الدينية و القانونية، كما يترتب عليه نتائج سلبية أسرية واجتماعية متنوعة، والمصطلح يشير بذاته إلى حالة غياب للمنطق والقدرات العقلية غياباً كاملاً ونهائياً، وهو مصطلح وصفي لا يقبل النسبية، وهذا التوصيف لا يطابق حقيقة بعض الأمراض النفسية الشديدة حيث تحدث تغيرات عقلية وغياب للمنطق محدد وليس شاملاً أو دائماً.
ولا يوجد في الطب النفسي حالة غياب كامل للعقل إلا في حالات محددة مثل التهاب الدماغ الحاد أو التسمم الحاد بمواد كيميائية أو غيرها من الأسباب العضوية التي تؤثر على عمل الدماغ ووظائفه بشكل واضح وتسمى حالات اختلاط الذهن الحادة ..وبعضها يشفى إذا تلقى العلاج اللازم وبعضها يؤدي إلى الوفاة وبعضها يؤدي إلى آثار نفسية وعقلية وعصبية طويلة الأمد، و أما الزوال الكامل للملكات العقلية وبشكل دائم فهو يحدث في حالات الخرف المتقدمة حيث تتدهور المهارات العقلية بالتدريج لتصل بالإنسان إلى حالة خاصة من تلف الدماغ وضموره ومن ثم إلى الوفاة.
وفي حالات التخلف العقلي الشديدة والتي تشكل نسبة صغيرة من حالات نقص الذكاء وبطء التعلم عند الأطفال ، يمكننا القول أن هناك فقداناً كاملاً أو شبه كامل للعقل والقدرات العقلية يحدث بشكل مبكر في الحياة ويترافق مع عدد من الأعراض المرضية الأخرى الجسمية والعصبية وهو يدل على تلف واضح ومبكر في الدماغ ويمكن أن يترافق مع الموت المبكر ،و من خلال ما سبق فإن حالات زوال العقل بشكل كامل هي حالات قليلة و من الخطأ إطلاق مصطلح الجنون على جميع الحالات النفسية التي لا يحدث فيها زوال كامل للعقل" مقال منشور على شبكة الانترنيت بتاريخ 20 نوفمبر 2012، و تم الاطلاع عليه بتاريخ 10-10-2021 على الموقع:/ /bawaba.khayma.com
قانون العقوبات الجزائري الصادر بموجب الأمر 66-156 المؤرخ في 8 يونيو1966 التضمن قانون العقوبات المعدل و المتمم.
و يثار هنا مسألة الإيلام النفسي و مدى صلاحيته ليكون أفعال اعتداء على سلامة الجسم، راجع في ذلك محمود نجيب حسني: المرجع السابق، ص 130 و131.
حيث يعاني واحد من كل خمسة أشخاص أو 22% ممن يعيشون في منطقة متأثرة بالنزاع من الاكتئاب و القلق و اضطراب ما بعد الصدمة و الاضطراب الثنائي القطب أو الفصام و هي أرقام أعلى بكثير من التقديرات العالمية لطروف الصحة العقلية، فيونا تشارلسون دراسة منشورة على مقع الامم المتحدة الالكتروني بتاريخ 12 يونيو 2019.
تنص المادة 21 من قانون الصحة أنه لا يجوز التمييز بين الاشخاص في الحصول على الوقاية أو العلاج..."
وفي نصيحة يوجهها الطبيب الرازي لتلميذه، إذ قال: "أعلم يا بني انه ينبغي للطبيب أن يكون رفيقا بالناس، حافظا لغيبهم، كتوما لأسرارهم، لاسيما أسرار مخدومه، فإنه ربما يكون ببعض الناس من المرض ما يكتمه من أخص الناس به مثل أبيه، وأمه، وولده، وإنما يكتمون خصوصياتهم، ويفشونه إلى الطبيب ضرورة، وإذا عالج من نسائه، وغلمانه أحدا، فيجب أن يحفظ طرفه، ولا يجاوز موضع العلة"
محمد القرني: تصميم برنامج علاجي معرفي سلوكي لتخفيف مستوى الكدر الزواجي و قياس فاعليته5، 2007، نقلا عن نويبات قدور: العلاقة الزوجية المتكدرة و آثارها على الصحة النفسية للزوجين و الأبناء، مجلة العلوم الإنسانية و الاجتماعية، العدد الأول، جوان 2012، ص 228.
نويبات قدور: المرجع السابق، ص 230.
قانون رقم 20-15 المؤرخ في 30 ديسمبر2020 يتعلق بالوقاية من جرائم اختطاف الأشخاص و مكافحتها، جريدة رسمية عدد 81 مؤرخة في 30 ديسمبر 2020
القانون رقم 90-11 المؤرخ في 21 ابريل 1990 يتعلق بعلاقات العمل، جريدة رسمية عدد 17 لسنة 1990 المعدل و المتمم، و كذا القانون 88-07 المؤرخ في 29 يناير 1988 المتعلق بالوقاية الصحية و الأمن و طب العمل لاسيما المواد 37 و 39 منه.
و قد صدر قرار وزاري مشترك مؤرخ في 11 أوت 2021 الجريدة الرسمية رقم 61 لسنة 2021، يحدد قائمة المواد و الادوية ذات الخصائص المؤثرة عقليا التي ثبت خطر الافراط في استعمالها و إدمانها و سوء استعمالها
محمد مرعي صعب : جرائم المخدرات، منشورات زين الحقوقية، بيروت، لبنان، 2007، ص 55، 57.
المرسوم التنفيذي رقم 21 196 المرخ في 11 مايو 2021 الذي يعدل ويتمم المرسوم التنفيذي رقم 19-379 المؤرخ في 31 ديسمبر 2019 الذي يحدد كيفيات المراقبة الإدارية و التقنية و الامنية للمواد و الأدوية ذات الخصائص المؤثرة عقليا الذي ينص على إنشاء لجنة وطنية لمكافحة الإدمان و الإفراط في استعمال المواد و الأدوية ذات الخصائص المؤثرة عقليا لدى وزارة الصحة تتولى تقييم خطر إدمان المواد و الأدوية ذات الخصائص المؤثرة عقليا و سوء استعمالها..، القيام بكل الدراسات و الأبحاث و التي تدخل في إطار مهامها، تقديم آراء حول التدابير الواجب اتخاذها لحفظ الصحة العمومية في مجال محاربة إدمان المواد و الأدوية ذات الخصائص المؤثرة عقليا أو سوء استعمالها و كذا حول كل مسألة يعرضها الوزير المكلف بالصحة....".
اسحاق ابراهيم منصور : الموجز في علم الإجرام و علم العقاب، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2006، ص 60.
و قد ورد في مجلة الديوان الوطني لمكافحة المخدرات و إدمانها في عددها الثاني (جانفي 2016) قائمة المراكز الوسيطية لعلاج المدمنين بالجزائر و التي تشمل في العموم حوالي 40 مركزا موزعين على مختلف الولايات، ص 24 و 25 onlcdt.mjustice.dz
قانون رقم 04-18 مؤرخ في 25 ديسمبر 2004 يتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها، اعتبارا من المادة 12 و ما بعدها.
حسب الاحكام الواردة في المرسوم التنفيذي رقم 07-229 المؤرخ في 30 يوليو 2007 الذي يحدد كيفيات تطبيق المادة 6 من القانون 04-18 المؤرخ في 25 ديسمبر 2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها، جريدة رسمية رقم 49 الصادرة في 5 أوت 2007.
حسب المادة 22 من قانون04-18 المتعلق بالمخدرات و المؤثرات العقلية.
تعرف الضوضاء على انها كل صوت غير مرغوب فيه نظرا لزيادة حدته و شدته و خروجه عن المألوف من الاصوات الطبيعية التي اعتاد الانسان سماعها، أو هي الصوت الذي يسبب الاذى الفسيولوجي و النفسي لفترة معينة" منصور مجاجي: المعالجة التشريعية لمشكل التلوث السمعي في الجزائر، مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية و الاقتصادية، المجلد 9، العدد 1 لسنة2020، ص 420.
زرورو ناصر: خصوصية أركان جريمة التلوث السمعي، مجلة الأكاديمية للبحث القانوني، المجلد 12، العدد 01 2021، ص 398.
نجم عبود نجم: المسؤولية البيئية في منظمات الاعمال الحديثة، دار الورق للنشر و التوزيع، 2012، ص 12
منصور مجاجي: المرجع السابق، ص 424.
تنص المادة 442 مكرر الفقرة 2 على انه" يعاقب بغرامة من 8.000 إلى 16.000 دج كما يجوز أن يعاقب بالحبس لمدة عشرة أيام على الأكثر من يقلق راحة السكان بالضجيج أو الضوضاء أو التجمهر ليلا باستعمال أدوات رنانة أو زاحم بالألعاب الجماعية أو بأية وسيلة أخرى في الأماكن العمومية أو في الأماكن المعدة لمرور الجماهير"
تنص المادة 72 من قانون البيئة على أنه " تهدف مقتضيات الحماية من الأضرار السمعية إلى الوقاية أو القضاء أو الحد من انبعاث و انتشار الأصوات أو الذبذبات التي قد تشكل أخطارا تضر بصحة الأشخاص و تسبب لهم اضطرابا مفرطا أو من شأنها أن تمس بالبيئة"
قانون رقم 03/10 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، جريدة رسمية رقم 43 لسنة 2003
سبقت الاشارة إلى الآثار النفسية التي تترتب على الصحة النفسية للزوجين بصفة عامة و على الأبناء، انظر الفقرة السابقة.
قانون الصحة الجزائري رقم 18-11 المؤرخ في 2 يوليو 2018، جريدة رسمية لسنة 2018 رقم 46 الصادرة بتاريخ 29 يوليو 2018.
و كانت المادة 72 من قانون الصحة 85-05 المتعلق بالصحة و ترقيتها الملغى بقانون 18-11 تنص عل أنه " يعد الاجهاض لغرض علاجي ضروري لإنقاذ حياة الأم من الخطر أو للحفاظ على توازنها الفيزيولوجي و العقلي المهدد بخطر بالغ".
عبد القادر عودة التشريع الجنائي الاسلامي مقارنا بالقانون الوضعي ، الجزء الاول، مكتبة دار التراث، القاهرة، ص 585.
أكرم نشأت ابراهيم: علم النفس الجنائي، الطبعة الثانية، دار الثقافة و النشر و التوزيع، عمان، الأردن 2005 ، ص 14
حسين أحمد: المجرمون الشواذ من منظور علم الإجرام، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، بن عكنون، جامعة الجزائر 1، 2011-2012، ص 93.
في الولايات المتحدة الامريكية فإن الحالات التي يطلب فيها الدفاع الإعفاء من المسؤولية الجنائية و يُطلق عليها "دفاع الجنون" لا يُقبل منها سوى 20 %حيث يتمكن المتهم من إثبات أحقيته بالإعفاء من المسؤولية بينما تتم إدانة 80% من بينهم المرضى الذين لا تعني إصابتهم بالمرض العقلي الاعفاء من المسؤولية، و مثال ذلك مرضى الفصام الذين لديهم أوهام و اضطرابات في التفكير لكنها لا ترتبط بنوع الجريمة التي يرتكبونها.
عموما تصنيف الأمراض النفسية و العقلية و أثرها على مسؤولية الفاعل يندرج ضمن 3 أقسام:
- اضطرابات مزيلة للإدراك كليا أو جزئيا و هذا يشمل كل من أقده المرض إدراكه و تمييزه فثر على عقله و استبصاره سواء كان مطبقا أو متقطعا أو جزئيا و يلحق بهذا القسم المجنون المرفوع عنه التكليف و مثله الخرف المتدهور و الهوس الحاد و التخلف العقلي، كأن كان متقطعا كنوبات الفصام الحادة فيعفي صاحبه حال النوبة و إذا عاد إليه إدراكه صار مسؤولا عن أفعاله
- اضطرابات تؤثر في إرادة الإنسان فلا سلوكه و أفكاره بسبب ضعف إرادته و طغيان المرض بحيث يؤثر في اختياره كالهلوسات البصرية و الوسواس القهري و النوبات الهستيرية، فيفقد المريض ارادته و يظن أن الذي أمامه يريد قتله فإنهم يتحمل مسؤولية مخففة كمن يقتل خطأ.
- اضطرابات مؤثرة في تصرفات الانسان و انفعالاته دون التأثير على الادراك و الإرادة كالاضطرابات الجنسية و اضطرابات التوافق و الاكتئاب و كل ما من شأنه أن ينتقص من نشاط الانسان أو يؤثر على تصرفاته لكنه لا يفقده إدراك الأمور أو التبصر بها فهذا المريض مسؤول عن كل ما يصدر من أقوال و أفعال، و ميل النفس إلى أهوائها و استجابتها للذاتها متى قاد إلى الجريمة لم يعف مرتكبها من العقوبة، ضيف الله بن عامر بن سعيد الشهري: جناية المريض نفسيا و أثر مرضه على المسؤولية الجنائية، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، المجلد 26، العدد 2، 2018، ص 34، 35، 36.
حسين أحمد: المجرمون الشواذ من منظور علم الإجرام، مرجع سابق، ص 94.
المرجع نفسه، ص95.
القانون الانجليزي لسنة1964 يعطي لهيئة المحلفين تحديد أهلية المتهم بناء على شهادة طبيبين و في حات ثبوت الجنون يمنع محاكمته، أما إذا ثبت عدم قدرته عن الدفاع عن نفسه بسبب عاهة في عقله طرأت بعد وقوع الجريمة فيوقف رفع الدعوى و المحاكمة حتى يعود لرشده، حسين أحمد: المرجع السابق، نقلا عن خالد سليمان: المسؤولية الجزائية للمجرم المضطرب نفسيا، دراسة مقارنة دار زينوني الحقوقي، بيروت ، لبنان، 2007، ص225.
"الجنون هو انحطاط تدريجي و بات في الملكات العقلية أو هو عدم قدرة الشخص على التوفيق بين أفكاره و شعوره و بين ما يحيط به لأسباب عقلية" علي عبد القادر القهوجي: شرح قانون العقوبات، القسم العام، المسؤولية و الجزاء، منشورات الحلبي الحقوقية، طبعة 2009، ص 80، كما يقصد به "كل عاهة أو آفة تصيب العقل و تخرج به عن حالته الطبيعية و هي بهذا المعنى مفهوم شامل يدخل فيه الجنون و يتسع لصور اخرى لا تعد جنونا بالمعنى الطبي و لكنها تنال من العقل و تضعف من قدرة الشخص على الإدراك و الاختيار و هذه الحالات تشمل العته و البله و الحمق" أحمد خليفة: أصول علم النفس الجنائي و القضائي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1949، ص 121.
الاضطراب العقلي هو آفة تعتري الانسان فتؤثر على أجهزته أو قواه العقلية التي تهيمن على إدراكه أو اختياره فتفقد أحدهما أو كليهما سواء كانت الآفة أصلية أو عارضة، أو هو اضطراب عقلي ذهاني شديد و خطير انفعاليا و عقليا و سلوكيا و شخصيا و يمثل خللا في التفكير و القوى العقلية و جهلا بأسباب المرض و عدم قدرة على الضبط و الاستبصار و يتناول كافة جوانب الشخصية و هو عموما عضوي و فيه جانب وظيفيي، أنظر في ذلك بن فرج الله بختة: واقع الاضطرابات العقلية في الجزائر، مجلة السراج في التربية و قضايا المجتمع، العدد 4، ديسمبر 2017، ص 144 و 145.
علما ان المشرع يتكلم عن انعدام الأهلية كليا فمن أصيب باضطراب عقلي ينقص من إدراكه كحالة المصاب بالهستيريا و الصم و البكم فإنه يبقى مسؤولا غير أن القضاء عندما يحكم بمسؤوليته فإنه يطبق ظروف التخفيف التي يراها مناسبة، و تشير بعض القوانين كقانون العقوبات الفرنسي صراحة إلى حالة نقض الأهلية في المادة 122منه.
التصنيف الدولي للاضطرابات النفسية السلوكية( الأوصاف السريرية الإكلينيكية و الدلائل الإرشادية التشخيصية) و هو صادر عن منظمة الصحة العالمية و الذي ضم مائة فئة تشخيصية رئيسية للأمراض النفسية تبدأ من الصفر إلى 99، و يمكن ذكر تصنيف الأمراض النفسية التي لها علاقة بالسلوك الاجرامي حسب أطباء النفس منها:
- الاضطرابات العصابية و منه القلق العام و الاكتئاب و الهلع و الرهاب و الوسواس القهري و الهيستيريا، و المصاب بالعصاب يستطيع عادة مواصلة نشاطه و عمله فهو إلى حد ما قادر على تحمل المسؤولية لسلامة إدراكه و تحكمه في ذاته، و نادرا ما تصدر عنه سلوكات إجرامية.
- الاضطرابات الذهانية منها الفصام و الهوس و الصرع، و المصاب بالذهان ينكر مرضه و لا يعلمه و هو بعيد عن الواقع مع ظهور توهم و ضلالات في وظائفه العقلية و التي فيها اضطراب واضح و كلامه مضطرب المحتوى، و المرضى المصابون بالذهان هم أكثر ارتباطا بعالم الجريمة انتحارا أو قتلا و اعتداء على الغير.
- اضطرابات الشخصية مثل الشخصية الاضطهادية ( البارانودية) و الشخصية شبه الفصامية و الشخصية المعادية للمجتمع ( السيكوباتية) و هي عموما تشكل خطورة على الفرد و المجتمع و لها ارتباط وثيق بارتكاب الجرائم و الأفعال المخلة كالانتحار والقتل و الاعتداء على الآخرين.
- التخلف العقلي و أنواعه خفيف و متوسط و شديد و يجب التفريق بين التخلف العقلي و بين المرض العقلي لأن التخلف العقلي ليس مرضا بل هو حالة تظهر منذ الطفولة المبكرة و يضعف معها النمو العقلي و يسوء التوافق النفسي و الاجتماعي، لا يمكن شفاؤه في الغالب، أما المرض العقلي كالفصام فقد يصيب الاشخاص الذين يتمتعون بدرجة ذكاء عالية في أي مرحلة من مراحل النمو وهذا يمكن شفاؤه مع العلاج، و تشير أكثر الدراسات النفسية إلى أن التخلف العقلي ليس مرادفا للجريمة و لا سببا لها، فالمتخلف عقليا غير قادر على القيام بالسلوك الإجرامي و ذلك لتأخره العقلي الشديد و نقص الذكاء لتنفيذ السلوك الاجرامي.
- الاضطرابات الجنسية مثل الانحرافات الجنسية و اضطراب الهوية الجنسية و هذا النوع من الاضطراب و إن كان ليس له علاقة مباشرة بالجناية إلا أنه غالبا ما يرتبط بسلوك إجرامي كالإقدام على الاغتصاب للنساء و الأطفال، فقد يقوده هذا إلى إزهاق أرواحهم لينال مراده أو متى حصلت منهم مقاومة.
احسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجزائي، الطبعة الرابعة 2006، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع، الجزائر، ص 194.
تنص المادة 122-1 ق ع فرنسي " لا يُسأل جزائيا من كان لحظة ارتكاب الأفعال يعاني من اضطراب نفسي أو عصبي أفقده التمييز أو التحكم في أفعاله و يترتب على ذلك إعفاء المجرم من أية عقوبة جزائية و إن كان موقوفا احتياطيا أخلي سبيله على الفور".
احسن بوسقيعة : المرجع السابق، ص 196 و 197.
غير أن المادة 21 تشترط في حالة العفو أو الحكم بانتفاء وجه الدعوى أن تكون مشاركة المتهم في الوقائع المادية ثابتة.
عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم العام، الجزاء الجنائي، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1996أص 570
أنظر المواد 101 إلى غاية 108 من قانون الاسرة الجزائري و المواد 42 ، 43، 44 من القانون المدني.
المواد 126 و 127 من قانون الصحة.
حسب المادة 126 من قانون الصحة " يشمل التكفل بالمرضى المصابين باضطرابات عقلية أو نفسية أعمال الوقاية و التشخيص و العلاجات و إعادة التأهيل و إعادة الإدماج الاجتماعي، و تندرج مجمل هذه الأعمال ضمن المخطط العام لتنظيم المنظومة الصحية مع الأخذ في الحسبان خصوصيات هذا المرض".
مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي و تحسين العناية بالصحة العقلية، اعتمدت و نشرت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 46/119 المؤرخ في 17 ديسمبر 1991.
حسب المرسوم التنفيذي رقم 09-394 المؤرخ في 24 نوفمبر 2009 الذي يتضمن القانون الأساسي الخاص بالموظفين المنتمين لسلك الممارسين الطبيين المتخصصين في الصحة العمومية ج ر رقم 70 لسنة 2009، حيث تنص المادة 9 منه على أنه " يقوم الممارسون الطبيون المتخصصون في الصحة العمومية بمهمة الخدمة العمومية في الصحة، و بهذه الصفة يتعين عليهم ما يأتي:
- تقديم علاج متخصص ذي نوعية
- مواكبة التطور الطبي من أجل تكفل أحسن بالمرضى.
- المساهمة في تكوين و تأطير مستخدمي الصحة.
- المساهمة في تصور البرامج الوطنية للصحة و السهر على تطبيقها.
- إعداد الحصيلة السنوية للنشاطات" و هو ما تؤكد عليه المادة 19 من ذات المرسوم بمناسب بيان رتب أسلاك الممارسين الطبيين المتخصصين حيث تنص " ... التشخيص و العلاج و البحث في مجال العلاج و الوقاية و إعادة التأهيل و الكشف الوظيفي و البحث المخبري و الخبرات الطبية و الدوائية........".
المواد 130 و 132 و 133 من قانون الصحة، و قد صدر المرسوم التنفيذي رقم 22-80 المؤرخ في 21 فبراير 2022 يحدد تنظيم اللجنة الولائية للصحة العقلية و سيرها، الجريدة الرسمية رقم 14 لسنة2022، حيث تنص المادة 2 منه على أنها تتكون من قاض برتبة رئيس غرفة في المجلس القضائي رئيسا يعينه رئيس المجلس القضائي المختص إقليميا، ممثل عن الوالي يعينه الوالي، طبيبان متخصصان في الأمراض العقلية يعينهما مير الصحة و السكان للولاية، ممثل عن جمعية المرضى يعينه مدير الصحة و السكان للولاية، غير أنه عندما لا تتوافر الولاية على عدد كاف من الأطباء في الامراض العقلية يمكن استكمال تشكيلة اللجنة بأطباء في الامراض العقلية من ولايات أخرى، و يمكن للجنة أن تستعين بأي شخص يمكنه مساعدتها في أشغالها، و تنص المادة 9 من المرسوم على أن اللجنة تبت في الطلبات المرسلة إليها في أجل لا يتجاوز 20 يوما من تاريخ تسجيلها، و تؤكد المادة 11 منه على أن قرارات اللجنة تعد نافذة بالنسبة للسلطات و الادارات المعنية.
لاسيما الوالي أو رئيس البلدية أو رئيس أمن الدائرة أو قائد كتيبة الدرك الوطني أو ممثلوهم المفوضون قانونا حسب المادة 137 من قانون الصحة
ما يلاحظ على المادة 411 من قانون الصحة أنها تعاقب على مخالفة أحكام المادة 143 منه على أساس عدم التكفل بالمريض المصاب باضطرابات عقلية في حين أن نص المادة 143 تتعلق بطلب خروج المريض من المؤسسة الاستشفائية، ولأكثر دقة كان يمكن للمشرع في المادة 411 النص على عدم طلب خروج المريض من طرف أقاربه وأهله المذكورين في الفقرة 4 من المادة لأنها تجعلهم مسؤولون مدنيا عنهم ويجب عليهم الالتزام بالتكفل به وهم من يمكن متابعتهم وفقا للمواد 314 و316 ق ع.
المرسوم التنفيذي رقم 19-379 المؤرخ في 31 ديسمبر 2019 الذي يحدد كيفيات المراقبة الإدارية والتقنية والامنية للمواد والأدوية ذات الخصائص المؤثرة عقليا المعدل والمتمم، ج رسمية رقم 1 المؤرخة في 5 يناير 2020.
التنزيلات
منشور
كيفية الاقتباس
إصدار
القسم
الرخصة

هذا العمل مرخص بموجب Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivatives 4.0 International License.